فصل: السادس ما جاء في التنزيل من الأسماء التي سميت بها الأفعال

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: إعراب القرآن **


 الخامس وفي بعض ذلك اختلاف

وفي بعض ذا اتفاق وقد ذكر سيبويه زيادة لا في قوله‏:‏ أما العبيد فذو عبيد‏:‏ وأما قول الناس للرجل‏:‏ أما أن يكون عالم وأما أن يعلم شيئاً فهو عالم‏.‏

وقد يجوز أن تقول‏:‏ أما أن لا يكون يعلم فهو يعلم وأنت تريد‏:‏ أن يكون كما جاءت‏:‏ ‏"‏ لئلا يعلم أهل الكتاب ‏"‏ في معنى‏:‏ لأن يعلم أهل الكتاب فهذا يشبه أن يكون بمنزلة المصدر في كلام طويل‏.‏

فمن ذلك قوله تعالى‏:‏ ‏"‏ غير المغضوب عليهم ولا الضالين ‏"‏ ف لا في قوله‏:‏ ولا الضالين زيادة‏.‏

وجاءت زيادتها لمجئ غير قبل الكلام وفيه معنى النفي‏.‏

ألا ترى أن التقدير‏:‏ لا مغضوباً عليهم ولا الضالين وكما جاء‏:‏ ‏"‏ وما يستوي الأحياء ولا الأموات ‏"‏ فكرر لا وهي زيادة وكذلك هذا‏.‏

ومن ذلك قوله تعالى‏:‏ ‏"‏ وما منعك ألا تسجد إذ أمرتك ‏"‏‏.‏

والتقدير‏:‏ ما منعك أن تسجد ف لا زائدة‏.‏

وقيل‏:‏ في قوله تعالى‏:‏ ‏"‏ وأقسموا بالله جهد أيمانهم لئن جاءتهم آية ليؤمنن بها‏.‏

قل إنما الآيات عند الله وما يشعركم أنها إذا جاءت لا يؤمنون ‏"‏ إن لا زائدة‏.‏

والمعنى‏:‏ وما يشعركم أنها إذا جاءت يؤمنون فيمن فتح أن‏.‏

ولما كان فتح أن يؤدي إلى زيادة لا عدل الخليل إلى أنّ أن من قوله أنها بمعنى‏:‏ لعلها‏.‏

قال‏:‏ والمعنى‏:‏ وما يشعركم لعلها إذا جاءت لا يؤمنون لأن في حملها على بابها عذراً لهم في ترك الإيمان حيث لم ينزل الآية وذلك لأنه إذا قال‏:‏ وما يشعركم أن الآيات إذا جاءت لا يؤمنون فالمعنى‏:‏ لو جاءت آمنوا‏.‏

فلما كان كذلك حملها على لعل‏.‏

وقيل‏:‏ بل إن أن على بابها‏.‏

والتقدير‏:‏ وما يشعركم أنها إذا جاءت لا يؤمنون أو يؤمنون فيكون من باب حذف الجمل‏.‏

وقال قوم‏:‏ بل في الآية تقديم وتأخير والتقدير‏:‏ إنما الآيات عند الله ولا ينزلها لأنها إذا جاءت لا يؤمنون‏.‏

فهذه ثلاثة أقوال‏.‏

ومن ذلك قوله تعالى‏:‏ ‏"‏ وحرام على قرية أهلكناها أنهم لا يرجعون ‏"‏ قالوا‏:‏ لا زائدة‏.‏

والتقدير‏:‏ وحرام على قرية أهلكناها رجوعها إلى الدنيا ف لا زائدة وقال أبو علي‏:‏ إن قوله‏:‏ أنهم لا يرجعون داخل في المصدر الذي هو حرام وخبر حرام مضمر‏.‏

والتقدير‏:‏ وحرام على قرية أهلكناها بأنهم لا يرجعون موجود أو كائن أو مقضى أي حرام عليهم بالاستئصال وجودهم في الدنيا أو رجوعهم إليها‏.‏

وأما قوله تعالى‏:‏ ‏"‏ فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون ‏"‏ لا يخلو لا من أن يكون لتأكيد النفي كالتي في قولك‏:‏ ما قائم زيد ولا عمرو‏.‏

فيفيد أن كل واحد منتف على حياله‏.‏

أو يكون لا نفيا مستأنفا‏.‏

فالدلالة على الوجه الأول أنك لو حملته على الوجه الثاني لم يجز حتى تكررها كما تقول‏:‏ لا زيد عندك ولا عمرو‏.‏

فلما لم تكرر علمت أنها على الوجه الأول‏.‏

ولا يكون مثل‏:‏ حياتك لا نفع وموتك فاجع‏.‏

لأن ذلك يقع في الشعر‏.‏

فأما قوله تعالى‏:‏ ‏"‏ لا أقسم ‏"‏ فقيل‏:‏ لا زائدة‏.‏

وقيل‏:‏ لا رد لكلامهم‏:‏ لا يبعث الله من يموت‏.‏

فقال‏:‏ لا‏.‏

أي‏:‏ ليس الأمر كما تظنون‏.‏

ومن ذلك قوله تعالى‏:‏ ‏"‏ لئلا يعلم أهل الكتاب ‏"‏ قالوا‏:‏ التقدير‏:‏ ليعلم أهل الكتاب ولا زائدة‏.‏

أجمعوا على هذا غير ابن بحر فإنه زعم أن الأولى ألا يكون في كلام الله شذوذ وما يستغنى عنه‏.‏

والذي يوجبه اللفظ على ظاهره أن يكون الضمير في يقدرون للنبي صلى الله عليه وآله والمؤمنين‏.‏

والمعنى‏:‏ لئلا يعلم اليهود والنصارى أن النبي صلى الله عليه وآله والمؤمنين لا يقدرون على ذلك وإذا لم يعلموا أنهم لا يقدرون فقد علموا أنهم يقدرون عليه‏.‏

أي إن آمنتم كما أمرتم آتاكم الله من فضله فعلم أهل الكتاب ذلك ولم يعلموا خلافه‏.‏

والعلم في هذا ومثله يوضع موضع قال أبو سعيد السيرافي‏:‏ إن لم تجعل لا زائدة جاز لأن قوله‏:‏ ‏"‏ يؤتكم كفلين من رحمته ويجعل لكم نوراً تمشون به ويغفر لكم والله غفور رحيم لئلا يعلم أهل الكتاب ‏"‏ أي‏:‏ يفعل بكم هذه الأشياء ليتبين جهل أهل الكتاب وأنهم لا يعلمون ما يؤتيكم الله من فضله لا يقدرون على تغييره وإزالته عنكم‏.‏

فعلى هذا لا يحتاج إلى زيادة لا‏.‏

قلت‏:‏ وحمل ابن بحر زيادة لا على الشذوذ جهل منه بقواعد العربية‏.‏

وليس كل من يعرف شيئاً من الكلام يجوز له التكلم على قواعد العربية‏.‏

وليس كون لا زائدة في فحوى خطاب العرب مما يكون طعناً من الملحدة على كلام الله لأن كلام الله منزل على لسانهم‏.‏

فما كان متعارفاً في لسانهم لا يمكن الطعن به على كتاب الله تعالى الله عما يقول الظالمون علواً كبيراً‏.‏

وكيف يكون زيادة لا شاذة وقد جاء ذلك عنهم وشاع كقول الهذلى‏:‏ أفعنك لا برق كأن وميضه غاب تسنمه ضرام مثقب أي أفمن ناحيتك أيتها المرأة هذا البرق الذي يشبه ضوؤه ضوء غاب‏.‏

وأنشد أبو عبيدة للأحوص‏:‏ وتلحيننى في اللهو ألا أحبه وللهو داع دائب غير غافل أي‏:‏ في اللهو أن أحبه ولا زائدة‏:‏ ما بال جهلك بعد الحلم والدين وقد علاك مشيب حين لا حين لا فيه زائدة إذا قلت‏:‏ علاك مشيب حين حين فقد أثبت حيناً علاه فيه المشيب‏.‏

فلو جعلت لا غير زائدة لوجب أن تكون نافية على حدها في قولهم‏:‏ جئت بلا مال وأبت بلا غنيمة‏.‏

فنفيت ما أثبت من حيث كان النفي ب لا عاماً منتظماً لجميع الجنس‏.‏

فلما لم يستقم حمله على الجنس لتدافع العارض في ذلك حكمت بزيادتهما فصار التقدير‏:‏ حين حين‏.‏

وهو من باب‏:‏ حلقة فضة وخاتم حديد لأن الحين يقع على الزمان القليل كالساعة ونحوها وعلى الطويل كقوله تعالى‏:‏ ‏"‏ هل أتى على الإنسان حين من الدهر ‏"‏ وعلى ما هو أقصر من ذلك كقوله تعالى‏:‏ ‏"‏ تؤتى أكلها كل حين ‏"‏‏.‏

فصار‏:‏ حين حين كقوله‏:‏ ولولا يوم يوم ما أردنا ومنه قول الشماخ‏:‏ أعايش ما لأهلك لا أراهم يضيعون الهجان مع المضيع وروى التوزى عن أبي عبيدة أن لا زائدة‏.‏

ومنه فول المرار بيت الكتاب‏:‏ ولا ينطق الفحشاء من كان منهم إذا جلسوا منا ولا من سوائنا وأما قوله تعالى‏:‏ ‏"‏ ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم ‏"‏ فإن موضع قوله في الأرض يحتمل ضربين‏:‏ أحدهما‏:‏ أن يكون مفعولاً فيه ظرفاً‏.‏

والآخر‏:‏ أن يكون وصفاً‏.‏

فإن جعلته ظرفاً احتمل أن يكون ظرفاً ل أصاب واحتمل أن يكون ل مصيبة‏.‏

ولا ذكر فيه على شئ من هذين التأويلين‏.‏

كما أن قولك‏:‏ بزيد من‏:‏ مررت بزيد‏.‏

كذلك يؤكد ذلك‏.‏

ويحسنه دخول لا في قوله‏:‏ ولا في أنفسكم‏.‏

فصار ذلك مثل‏:‏ ما ضربت من رجل ولا امرأة‏.‏

والضرب الآخر أن يكون صفة للنكرة ويكون متعلقاً بمحذوف‏.‏

وفيه ذكر يعود إلى الموصوف‏.‏

وقوله‏:‏ ولا في أنفسكم صفة معطوفة على صفة لأنه صفة منفى فيكون كالبدل في قوله‏:‏ في ليلة لا ترى بها أحداً يحكى علينا إلا كواكبها من الضمير في يحكى لما جرى على المنفى‏.‏

وزيادة الحروف في التنزيل كثير فأقرب من ذلك إلى ما نحن فيه قوله‏:‏ ‏"‏ فبما رحمة من الله ‏"‏ وقوله‏:‏ ‏"‏ فبما نقضهم ميثاقهم وكفرهم ‏"‏ وقوله تعالى‏:‏ ‏"‏ فبما نقضهم ميثاقهم لعناهم ‏"‏ وكقوله‏:‏ ‏"‏ عما وقيل في قوله تعالى‏:‏ ‏"‏ كانوا قليلاً من الليل ما يهجعون ‏"‏ ما صلة‏.‏

وكذلك قوله‏:‏ ‏"‏ إنه لحق مثل ما أنكم ‏"‏ أي‏:‏ مثل أنكم‏.‏

وقيل في قوله‏:‏ ‏"‏ في أي صورة ما شاء ‏"‏ فكقوله‏:‏ فهي ترثى بأبي وابنيما وكقولهم‏:‏ أفعله آثرا ما‏.‏

فهذه حروف جاءت للتأكيد عند سيبويه‏.‏

وعند قوم هو اسم ولا خلاف في زيادتها‏.‏

فمن قال‏:‏ هو اسم قال‏:‏ قد جاء من الأسماء مثله مزيداً كقولهم‏:‏ كان زيد هو العاقل‏.‏

قال الله تعالى‏:‏ ‏"‏ إن كان هذا هو الحق ‏"‏ فهو فصل‏.‏

وقال ‏"‏ تجدوه عند الله هو خيراً ‏"‏ وقال‏:‏ ‏"‏ إنك أنت العزيز الحكيم ‏"‏ وقال‏:‏ ‏"‏ إن ترن أنا أقل منك ‏"‏‏.‏

وسأعد لك الفصل فيما بعد‏.‏

والصحيح قول سيبويه إذ لا معنى لها سوى التوكيد ولا تكاد الأسماء تزاد‏.‏

فأما هو فإنما جئ به ليفصل الخبر عن الوصف فهو لمعنى‏.‏

فثبت أن ما حرف زيدت كزيادة من في النفي وزيادة الباء في‏:‏ ألقى بيده وساعده لك‏.‏

فما إن طبنا جبن ولكن منايانا ودولة آخرينا وأما قوله تعالى‏:‏ ‏"‏ ولقد مكناهم فيما إن مكناكم فيه ‏"‏ فإن الكسائي يقول‏:‏ إن ‏"‏ إْن ‏"‏ زائدة والتقدير‏:‏ في الذي مكناكم فيه‏.‏

والفراء يقول‏:‏ في الذي نمكنكم فيه‏.‏

وإياه اختار أبو علي وزعم أنه من جهة المعنى واللفظ أقرب‏.‏

فأما المعنى فلأن قوله‏:‏ ‏"‏ فيما إن مكناكم فيه ‏"‏ في المعنى في قوله‏:‏ ‏"‏ مكناهم في الأرض ما لم نمكن لكم ‏"‏‏.‏

وكما أن لم نفى بلا إشكال وكذلك إن ويبين ذلك قوله‏:‏ ‏"‏ أو لم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم كانوا أشد منهم قوة وأثاروا الأرض وعمروها أكثر مما عمروها ‏"‏ فهذا كله يدل على أن تمكين من تقدمهم يزيد على تمكينهم فهذا بمنزلة ما لم نمكن لكم‏.‏

وأما اللفظ فلأن ما موصولة وأن يزاد بعد ما الموصولة وإنما يزاد بعد النفي في نحو‏:‏ ما إن طبنا جبن‏.‏

والذي جاء من ذلك في الشعر فيما أنشده سيبويه وأبو زيد من قوله‏:‏ ورج الفتى للخير ما إن رأيته فثبت بهذا كله وتحقق أن من تكلم في الجوهر والعرض والجزء الذي يتجزأ أو لا يتجزأ لا يعرف معنى قوله‏:‏ حين لا حين لأن ذاك عقلى وهذا سماعي وبين ما يكون مبيناً على السماع وبين ما يكون مبنياً على العقل تفاوت وبون‏.‏

ولولا أني خفت أن تقول بعدي ما لا يحل لك في هذا الكتاب لسقت جميع ما اختلفوا في زيادته في التنزيل في هذا الباب لكني ذكرتها في مواضع ليكون أحفظ عندك‏.‏

 السادس ما جاء في التنزيل من الأسماء التي سميت بها الأفعال

وهي أبواب ذكرها سيبويه نحو‏:‏ صه ومه ورويد والنجاء وإياك وعليك وهاك وهلم‏.‏

كما تراه في الكتاب‏.‏

فهذه كلها أسماء سميت بها الأفعال‏.‏

وقد أبطلنا قول من قال‏:‏ هي قسم رابع في غير كتاب من كتبنا‏.‏

فمما جاء في التنزيل من ذلك قولهم في الدعاء بعد الفاتحة آمين‏.‏

وفيه لغتان‏:‏ أمين وآمين بالقصر والمد وكلاهما اسم ل استجب كما أن صه اسم ل اسكت ومه كذلك‏.‏

وفي آمين ضمير المخاطب‏.‏

قال أبو علي في التذكرة‏:‏ لو قال قائل إنه ليس بأعجمي لأنه لا يخلو لو كان أعجمياً من أن يكون اسم جنس أو منقولاً من معرفة وليس باسم جنس ولا منقولاً من معرفة فإذا لم يخل من هذين الوجهين في العجمة وليس واحداً منهما ثبت أنه ليس بأعجمي فهو وجه‏.‏

فإن قلت‏:‏ إنه وزن جاء في الأعجمية‏.‏

قيل‏:‏ لا ينكر وإن كان جاء في الأعجمي‏:‏ مثل هابيل أن يجئ هذا عربياً ويكون إفراده في الأبنية العربية مثل‏:‏ درى ومرنق ونحو ذلك من الأبنية التي تجئ مفردة نحو‏:‏ انقحل وما أشبهه‏.‏

فبعضهم لا يصرفه لتوهم العجمة وبعضهم يصرفه ويجعله مثل‏:‏ قيراط وفيروز‏.‏

قال أبو علي في موضع آخر‏:‏ اختلف في آمين فقال قائلون‏:‏ إنه اسم من الأسماء التي سمي بها الفعل نحو‏:‏ صه ومه وإيه ورويد وما أشبه ذلك‏.‏

وقال قائلون‏:‏ هو اسم من أسماء الله‏.‏

فمما يدل على أنه سمي به الفعل‏:‏ ما روى حجاج عن ابن جريج عن عكرمة قال‏:‏ أمن هارون على دعاء موسى عليه السلام فقال الله‏:‏ ‏"‏ قد أجيبت دعوتكما فاستقيما ‏"‏‏.‏

وكما أن قول موسى‏:‏ ‏"‏ ربنا اطمس على أموالهم ‏"‏ جملة مستقلة وكلام تام كذلك قول هارون آمين جملة مستقلة وكلام تام‏.‏

ولولا أنه كذلك لم يكن هارون داعياً لأن من تكلم باسم مفرد أو كلمة مفردة لم يكن داعياً كما لا يكون آمرا ألا ترى أن الدعاء لفظه كلفظ الأمر فيقول القائل‏:‏ اللهم اغفر لي في الأمر لي كقوله لصاحبه‏:‏ اذهب بي‏.‏

إلا أنه استعظم في الدعاء أن يقال إنه أمر‏.‏

كما أن قولهم‏:‏ صه بمنزلة‏:‏ اسكت ومه بمنزلة‏:‏ اكفف‏.‏

كذلك في الدعاء‏:‏ آمين بمنزلة‏:‏ استجب‏.‏

وفيه ضمير مرفوع بأنه فاعل‏.‏

كما أن في سائر هذه الأسماء التي سمي بها الفعل أسماء مضمرة مرتفعة‏.‏

ويدل على ذلك ما رواه عبد الوهاب عن إسماعيل بن مسلم قال‏:‏ كان الحسن إذا سئل عن آمين قال‏:‏ تفسيرها‏:‏ اللهم استجب‏.‏

عبد الوهاب عن عمر بن عبيد عن الحسن في آمين‏:‏ ليكن ذلك‏.‏

ومن حيث كان دعاء كما ذكرنا أخفى في قول أبي حنيفة وأصحابه في الصلاة ولم يجهر به لأن المسنون في الدعاء الإخفاء بدلالة قول الله تعالى‏:‏ ‏"‏ ادعوا ربكم تضرعاً وخفية ‏"‏‏.‏

ولما روى من قول النبي صلى الله عليه وعلى آله أنه قال لقوم رافعي أصواتهم بالدعاء‏:‏ إنكم لا تنادون أصم ولا غائباً وإن الذي تنادونه أقرب إليكم من رءوس مطيكم‏.‏

ومما يدل على أن هذه الأسماء المسمى بها الفعل فيها ضمير فاعل كما أن في قولنا اضرب وما أشبهه من أمثلة الأمر ضمير فاعل إنك لما عطفت عليه المضمر المرفوع أكدته كما أنك لما عطفت على الضمير المرفوع في مثال الأمر أكدته‏.‏

وذلك نحو قوله تعالى‏:‏ ‏"‏ مكانكم أنتم وشركاؤكم ‏"‏ لما عطف الشركاء على مكانكم وكان قوله‏:‏ مكانكم بمنزلة قولك‏:‏ اثبتوا واسما لهذا الفعل أكد بأنتم كما أنه لما عطف على المضمر المرفوع في مثال الأمر أكد في قوله تعالى‏:‏ ‏"‏ فاذهب أنت وربك فقاتلا ‏"‏ ‏"‏ اسكن أنت وزوجك الجنة ‏"‏‏.‏

فإذا ثبت احتمال هذه الأسماء المسمى بها الفعل الضمير كما احتملته أمثلة الأمر ثبت أنها جمل‏.‏

وإذا كانت جملاً لم تصح أن تكون من أسماء الله سبحانه وأن القائل بذلك مخطئ لا دعائه ما لا دليل عليه‏.‏

وقد قامت الدلالة على فساده‏.‏

ألا ترى أن أسماء الله ليس فيها ما هو جملة وأنها كلها مفردة وهي على ضربين‏:‏ أحدهما ما كان صفة نحو‏:‏ عالم وقادر وخالق ورازق‏.‏

والآخر ما كان مصدراً نحو الإله والسلام والعدل‏.‏

فإذا لم تخل من هذين الضربين ولم يكن آمين من واحد من هذين ولا اسما غير وصف ولا مصدراً كقولنا شئ ثبت أنه ليس منها‏.‏

فأما ما روى عن جرير بن عبد الحميد عن منصور بن المعتمر عن هلال بن يساف عن مجاهد أنه قال‏:‏ آمين اسم من أسماء الله تعالى‏.‏

فعندنا هذا الاسم لما تضمن الضمير المرفوع الذي وصفنا وذلك الضمير مصروف إلى الله سبحانه قال‏:‏ إنه اسم الله على هذا التقدير ولم يرد أن الكلمة اسم من أسماء الله دون الضمير كعالم ورازق‏.‏

فإذا احتمل هذا الذي وصفت لم يكن فيما روى عنه حجة لمن قال‏:‏ إن جملة الكلمة اسم‏.‏

ومما يدل على أنه ليس باسم من أسماء الله تعالى وأنه من أسماء الأفعال على ما ذكرت أنه مبني كما أن هذه الأسماء الموضوعة للأمر مبنية‏.‏

وليس في أسماء الله تعالى اسم مبني‏.‏

على هذا الحد‏.‏

فلما كان هذا الاسم مبنياً كصه وإيه ونحوهما‏.‏

دل ذلك على أنه بمنزلتهما وليس من أسماء القديم سبحانه إذ ليس في أسمائه اسم مبني على هذا الحد‏.‏

فإن قال قائل‏:‏ فقد حكى سيبويه وعامة البصريين في‏:‏ لاه أبوك‏.‏

أنهم يريدون لله أبوك‏.‏

وهذا الاسم مبني‏.‏

لأنه لا يخلو من أن يكون على قول من قال‏:‏ لاه لأفعلن‏.‏

فأضمر حرف الجر واختص به‏.‏

أو على قول من قال‏:‏ ألا رب من قلبي له الله ناصح لأنه ليس بمنون فأوصل الفعل لما حذف الجار وأعمله فبين أنه ليس على إضمار حرف الجر إذ هو مفتوح في اللفظ‏.‏

وليس في نحو‏:‏ إبراهيم وعمر‏.‏

فيكون مفتوحاً في موضع الجر أو منصوباً بلا تنوين نحو‏:‏ رأيت عمر لتعرى الاسم مما يمنع الصرف‏.‏

فإذا لم يكن على شئ من هذه الأنحاء التي ينبغي أن يكون المعرب عليها‏.‏

ثبت أنه مبني وإذا كان مبنياً لم يمتنع أن يكون آمين اسما مثله وإن كان مبنياً‏.‏

قيل له‏:‏ إنما بني هذا الاسم الذي حكاه سيبويه لتضمنه معنى الحرف ال للتعريف‏.‏

ألا ترى أنه زعم أنهم أرادوا‏:‏ لله أبوك فلما لم يذكر لام المعرفة وتضمن الاسم معناها بني كما بني آمين لما تضمن معنى الألف واللام وكما بني خمسة عشر لما تضمن معنى حرف العطف وكم وكيف وأين لما تضمنت معنى الاستفهام أغنت عن حروف الاستفهام‏.‏

والاسم إذا تضمن معنى الحرف بني‏.‏

فأما آمين لم يتضمن معنى الحرف على هذا الحد ولا على نحو كيف وكم بني كما بني صه ومه ونزال وحذار ونحو ذلك من الأسماء التي تستعمل في الأمر للخطاب‏.‏

وحكى قطرب‏:‏ له أبوك بإسكان الهاء‏.‏

وهذا صحيح في القياس مستقيم وذلك أنه لما وجب البناء وحرك الآخر منه بالفتح لالتقاء الساكنين ثم حذف منه حرف اللين الواقع موقع اللام كما حذف في نحو‏:‏ يد ودم وبقي على حرفين زال التقاء الساكنين فبني على السكون لزوال ما فإن قال‏:‏ فهلا بني على الحركة وإن كان على حرفين لأنه قد جرى متمكناً في غير هذا الموضع كما بني عل عند سيبويه على الحركة في قولهم‏:‏ من عل‏.‏

وإن كان على حرفين تجربه غير متمكن مجراه متمكناً قبل حال البناء‏.‏

قيل‏:‏ لم يشبه هذا عل لأن عل ونحوه مما يلحقه الإعراب في التمكن على اللفظ الذي هو عليه‏.‏

وله من قولهم‏:‏ له أبوك لحقه الحذف من شئ لم يتمكن قط في كلامهم‏.‏

فإذا كان كذلك لم يلزم أن يكون مثل عل لمفارقته ل عل في أنه لم يجر الاسم المحذوف هذا عنه متمكناً فلما كان كذلك صار بمنزلة حذفهم مذ في منذ في أن المحذوف مبني كما أن المحذوف منه كذلك وفي أن المحذوف أسكن لزوال ما كان له حرك بالحذف وهو التقاء الساكنين‏.‏

فأما قوله تعالى‏:‏ ‏"‏ مكانكم أنتم وشركاؤكم ‏"‏ فالقول أنه مبني غير معرب من حيث صار اسماً للفعل كما كان صه وهلم ونحوهما مبنية‏.‏

فإن قلت‏:‏ إن مكانكم منصوب والنصب فيه ظاهر‏.‏

قيل‏:‏ ليست هذه الفتحة بنصب وذلك أن انتصابه لا يخلو من أن يكون بعامل عمل فيه بعد أن جعل اسما للفعل أو أن يكون بعد التسمية به في الانتصاب على ما كان عليه قبل ذلك فلا يجوز أن يكون انتصابه الآن وقد سمي به الفعل على ما كان قبل ألا ترى أن تقديره معمولاً لذلك العامل واتصاله به لا يصح كما يصح اتصاله به في هذه المواضع التي لا تكون أسماء للفعل وذلك قولك‏:‏ زيد مكانك والذي مكانك زيد فهذا سد مسد الفعل الذي عمل فيه وأغنى من حيث كان تقدير العامل الذي تعلق به الظرف في الأصل غير ممتنع نحو‏:‏ زيد استقر مكانك أو مستقر والذي استقر مكانك‏.‏

وقدرت هذا العامل في الموضع الذي سميت الفعل به لم يتعلق به على حد تعلق الظرف في المعمولات بعواملها‏.‏

ألا ترى أنك إن علقته بها على أنه ظرف بطل أن يكون جملة وزال عنه معنى الأمر فإذا كان كذلك لم يتصل به بعد أن صار اسما للفعل كما كان يتصل به قبل‏.‏

وإذا لم يتصل به لم يكن معمولاً له ولم يجز أن يكون وهو اسم للفعل معرباً بالإعراب الذي كان يعرب به قبل‏.‏

ولا يجوز أيضاً أن يكون انتصابه بعامل عمل فيه بعد أن جعل اسما للفعل وذلك أنه بمنزلة الأمر وهو نفسه العامل كما أن أمثال الأمر نفس العامل وكما أنه لا عمل لشئ في أمثلة الأمر كذلك ما أقيم مقامه‏.‏

فإن قلت‏:‏ إن الأفعال المضارعة عاملة في فاعليها ولم يمنعها ذلك من أن تكون معمولة لعوامل أخر فكذلك ما تنكر ألا يمنع كون مكانك ونحوه عاملاً في الفاعل المضمر فيه أن يكون هو نفسه أيضاً معمولاً لغيره كما لم يمنع المضارع أن يكون معمولاً لغيره وإن كان عاملاً في فاعله‏.‏

قيل‏:‏ إن المضارع لما أشبه الأسماء ووقع موقعها في بعض المواضع تعرف للمشابهة التي بينه وبين الاسم على ما ذكر في مواضع ذلك‏.‏

وهذه الأسماء إذا سمي بها الفعل تخرج بذلك عن أن تقع مواقع الأسماء فوجب بناؤها لوقوعها موقع مالا يكون إلا مبنياً كما بني قولهم‏:‏ فدى لك في قوله‏:‏ مهلاً فداء لك يا فضاله أجره الرمح ولا تهاله لما وقع موقع الأمر وكما بني المضارع في قول أبي عثمان لما وقع موقع فعل الأمر‏.‏

كذلك بني دونك وحذرك ونحوه لوقوعه موقع فعل الأمر ألا ترى أنهم بنوا رويد في هذا الباب مع أنه مصغر‏.‏

فما عداه من هذه الأسماء أجدر بالبناء‏.‏

وإذا كان كذلك لم يجز أن يتعرب مكانك بإعراب بعد ما سمي به الفعل فإذا لم يجز أن يتعرب بما كان متعرباً قبل أن سمي به الفعل ولم يجز أن يعرب بشئ بعدما سمي به ثبت أنه غير معرب‏.‏

وهذا مذهب أبي الحسن الأخفش‏.‏

وإذا لم يكن معرباً كان مبنياً ولم يجز أن يكون في موضع رفع ولا نصب ولا جر لأن ما يعمل في الأسماء لا يعمل فيه الآن عامل‏.‏

فأما ما يعمل في الفعل فلا يعمل فيه أيضاً لأنه ليس بفعل فإذا كان كذلك ثبت أنها غير فأما تحرك بعض هذه الأسماء بحركة قد يجوز أن يكون للإعراب نحو‏:‏ مكانك وحذرك وفرطك فإن ذلك لا يدل على أنها معربة‏.‏

ألا ترى أن الحركات قد تتفق صورها وتختلف معانيها كقولك‏:‏ يا منص في ترخيم رجل اسمه منصور على قول من قال‏:‏ يا حارِ ويا حاٌر‏.‏

وكذلك من قال‏:‏ درع دلاص وأدرع دلاص لا تكون الكسرة التي في الجمع الكسرة التي في الواحدة لأن التي في الواحد مثل التي في كناز وضناك والتي في الجمع مثل في شراف وظراف‏.‏

وكذلك قوله تعالى‏:‏ ‏"‏ في الفلك المشحون ‏"‏ فضمة الفاء مثل ضمة قفل وبرد‏.‏

وقوله تعالى‏:‏ ‏"‏ والفلك التي تجري في البحر ‏"‏ ضمة الفاء فيه للجمع على حد أسَدِ وْأسْدِ و وَثٍن و وُثْنٍ‏.‏

وكذلك لا ينكر أن تتفق الحركات في مكانك ويختلف معناها لما ذكرنا من الدلالة على ذلك فتكون إذا كان ذلك ظرفاً أو مصدراً حركة إعراب وإذا كان اسما للفعل حركة بناء ونحوه‏.‏

ألا ترى اتفاق حركة الإعراب وحركة البناء في‏:‏ يا بن أم ولا رجل عندك فكذلك اتفاقهما في مكانك‏.‏

وفي آمين لعتان‏:‏ قصر ومد فالمقصور عربي لكثرة فعيل في العربي‏.‏

والممدود مختلف فيه وقد حكينا عن الأخفش أنه أعجمي لما لم ير هذا المثال في العربي‏.‏

أحدهما‏:‏ نحو‏:‏ اللجام‏.‏

والآخر‏:‏ نحو‏:‏ إبراهيم وإسماعيل‏.‏

وهذا ليس واحداً منهما فإذن هو عربي‏.‏

والمد فيها لإشباع الفتح كإشباع منتزاح ولا ترضاها وأنظور والصياريف وغير ذلك‏.‏

وكما لا يجوز لأحد أن يقول إن هذه الكلمات أعجميات لخروجها عن كلامهم فكذلك لا يقال في آمين‏.‏

وإذا كان هذا للإشباع فيها فكذلك في آمين‏.‏

وقال محمد بن يزيد‏:‏ آمين مثل عاصين‏.‏

وأراد به أن الميم خفيفة كالصاد ولم يرد به أنه جمع لأنه إن كان اسماً من أسماء الله فالجمع فيه كفر وإن كان اسماً للفعل فإنه نائب عن الجملة فلا يجوز جمعه‏.‏

وأما قول الأخفش‏:‏ إنك إذا سميت ب آمين رجلاً لم تصرفه‏.‏

فإن قال قائل‏:‏ فأحذ السببين المانعين من الصرف التعريف فما السبب الثاني المنضم إلى التعريف وليس آمين بمنزلة هابيل في أنه اسم جرى معرفة في كلام العجم فيمنعه الصرف كما يمنع إبراهيم ونحوه قيل‏:‏ يجوز أن تقول‏:‏ إنه ما لم يكن اسم جنس ك شاهين أشبه الأسماء المختصة‏.‏

فامتنع من الصرف كما امتنعت عنده عريط‏.‏

وهذا الشبه فيما لا ينصرف معمل‏.‏

ألا ترى أنهم شبهوا عثمان في التعريف بسكران‏.‏

ومن كان آمين عنده عربياً فالقياس أن يصرفه إذا سمي به رجلاً على قول بني تميم ولا يمنعه خروجه عن أبنية كلامهم من الانصراف لأنه يصير بمنزلة عربي لا ثاني له من دونه نحو إنقحل‏.‏

وعلى قياس قول أهل الحجاز ينبغي أن يحكى ألا ترى أنهم لو سموا رجلا بفعال نحو‏:‏ حذام وقطام لحكوه ولم يعربوه‏.‏

فهذا هو القول في آمين‏.‏

ومن ذلك قوله تعالى في قول الكسائي‏:‏ ‏"‏ كتاب الله عليكم ‏"‏ والتقدير عنده‏:‏ عليكم كتاب الله‏.‏

كقوله تعالى ‏"‏ عليكم أنفسكم ‏"‏ أي‏:‏ احفظوها‏.‏

هذا عندنا لا يصح لأن معمول عليك لا يتقدم عليه وإنما كتاب الله نصب مصدر مؤكد ما تقدم‏.‏

وسأعد لك من أخواته معه ما يفهم به صحته‏.‏

فإن قلت‏:‏ فقد جاء ذلك في قولها‏:‏ يأيها الماتح دلوى دونكا إني رأيت الناس يحمدونكا قال‏:‏ التقدير‏:‏ دونك دلوى وهذا عندنا مبتدأ وخبر‏.‏

ليس كما قالوا‏.‏

فأما وقف من وقف على قوله تعالى‏:‏ ‏"‏ فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح ‏"‏ ثم يبتديء فيقرأ عليه أن يطوف بهما فليس بالمتجه لأن سيبويه قال‏:‏ إن هذا يكون في الخطاب دون الغائب فلا يجوز حمله على الإغراء‏.‏

وهذا لفظ سيبويه‏.‏

قال‏:‏ حدثني من سمعه‏:‏ أن بعضهم قال‏:‏ عليه رجلاً ليسنى‏.‏

هذا قليل شبهوه بالفعل‏.‏

يعني أنه أمر غائباً فقال‏:‏ عليه‏.‏

وأما ما روى عن النبي عليه السلام أنه قال‏:‏ ‏"‏ من استطاع منكم الباءة فليتزوج وإلا فعليه بالصوم فإنه له وجاء ‏"‏‏.‏

وإنما أمر الغائب بهذا الحرف على شذوذه لأنه قد جرى للمأمور ذكر فصار بالذكر الذي جرى له كالحاضر فأشبه أمر الحاضر‏.‏

وإنما قوله عليه خبر لا أي‏:‏ لا إثم عليه في التطوف بينهما والطواف ليس بفرض‏.‏

وأما قوله تعالى‏:‏ ‏"‏ هيت لك ‏"‏ فقد قالوا‏:‏ معناه‏:‏ هلم لك‏.‏

قال رجل لعلي بن أبي طالب صلوات الله وسلامه عليه‏:‏ أبلغ أمير المؤمنين أخا العراق إذا أتيتا أن العراق وأهله عنق إليك فهيت هيتا أي‏:‏ هلم إلينا وقد كسر قوم الهاء وهو لغة في ذا المعنى ورفعت في ذا المعنى‏.‏

قال‏:‏ وقراءة أهل المدينة‏:‏ هيت لك في ذا المعنى الهاء مكسورة والتاء مفتوحة‏.‏

والمعروف‏:‏ هَيْتُ هيتَ بضم التاء وفتحها‏.‏

وحكى الكسر أيضاً‏.‏

وهو اسم للفعل‏.‏

ولك على هذا للتبيين بمنزلة لك في قولهم‏:‏ هلم لك‏.‏

ومثل تبيينهم‏:‏ رويدك بالكاف في رويدك‏.‏

وتبيينهم هآء وهآء بقولهم‏:‏ هاك وهاك‏.‏

ولك في هلم لك متعلق بهذا الاسم الذي سمي به الفعل‏.‏

ولا يجوز أن يتعلق بمضمر لأنك لو علقته بمضمر لصار وصفاً‏.‏

وهذه الأسماء التي سميت الأفعال بها لا توصف لأنها بمنزلة مثال الأمر وكما لا يوصف مثال الأمر كذلك لا توصف هذه الأسماء‏.‏

ومن ذلك هلم في قوله‏:‏ هلم شهداءكم وفي قوله‏:‏ هلم إلينا‏.‏

وهي ها ضمت إلى لم فجعلا كالشئ الواحد‏.‏

وفيه لغتان‏.‏

أحدهما وهو قول أهل الحجاز ولغة التنزيل أن يكون في جميع الأحوال للواحد والواحدة والآثنين والآثنتين والجماعة من الرجال والنساء على لفظ واحد لا تظهر فيه علامة تثنية ولا جمع كقولهم‏:‏ هلم إلينا فيكون بمنزلة‏:‏ رويد وصه ومه ونحو ذلك نحو الأسماء التي سميت بها الأفعال وتستعمل للواحد والجمع والتأنيث والتذكير على صورة واحدة‏.‏

والأخرى‏:‏ أن تكون بمنزلة رد في ظهور علامات الفاعلين على حسب ما تظهر في رد وسائر ما أشبهها من الأفعال‏.‏

وهي في اللغة الأولى وفي اللغة الثانية إذا كانت للمخاطب مبنية مع الحرف الذي بعدها على الفتح‏.‏

كما أن هل تفعلن مبنى مع الحروف على الفتح‏.‏

وإن اختلف موقع الحرفين في الكلمتين فلم يمنع الاختلاف من البناء على الفتح‏.‏

ولخفة ها المنبهة لكون الأمر موضعا للاستعطاف كما لحقت يا ألا يا اسجدوا وها هاأنتم فحذف لكثرة استعمال الألف من ها ك لا أدري ولم أبل‏.‏

ولأن الألف حذفت لما كانت اللام في نية السكون وكأنه‏.‏

هلمم‏.‏

والساكن معتبر بدليل‏.‏

جيل ومول فلم يعلوا اعتباراً بسكون الياء والواو في موئل وجيأل‏.‏

وحسن حذف الألف جعلها مع لم كخمسة عشر بدلالة اشتقاقهم الفعل منه‏.‏

فيما حكى الأصمعي‏:‏ إذا قيل لك‏.‏

هلم‏.‏

فقال‏:‏ ما أهلم فاشتقاقهم الفعل نظير أهريق زيادة لا معنى له‏.‏

ويكون اشتقاق‏:‏ هلل وحوقل وهو أحسن لأنهم لم يغيروه في التثنية والجمع‏.‏

وقال الفراء‏:‏ إن‏:‏ أصله‏:‏ هل أم‏.‏

وأم من قصدت‏.‏

والدليل على فساد هذا القول‏:‏ أن هل لا يخلو من أحد أمرين‏:‏ إما أن يكون بمعنى‏:‏ قد وهذا يدخل في الخبر‏.‏

وأما أن يكون بمعنى الاستفهام وليس لواحد من الحرفين تعلق بالأمر‏.‏

وإن قلت‏:‏ هو خبر بمعنى الأمر فإن ذلك لا يدخل عليه هل لأن من قال‏:‏ رحم الله لا يقول‏:‏ هل رحم الله والفتح فيه كالفتح في ليقومن وليس لالتقاء الساكنين كالفتح في رد لأن رد يجوز فيه الأوجه الثلاثة وهلم لا يجوز فيه إلا الفتح على لغة أهل الحجاز‏.‏

ومن ذلك أفٍّ في قوله تعالى‏:‏ ‏"‏ فلا تقل لهما أف ‏"‏ وقوله‏:‏ ‏"‏ أف لكم ‏"‏‏.‏

وفي قوله‏:‏ ‏"‏ والذي قال لوالديه أف لكما ‏"‏‏.‏

وفيه لغات‏:‏ والمقروء منها الكسر بلا تنوين والكسر بتنوين عن نافع وحفص والفتح بلا تنوين ويجوز في العربية الضم بلا تنوين والضم بتنوين‏.‏

وفي لغة سابعة أفي مثل‏:‏ أمليت وأمللت‏.‏

ومعنى كله‏:‏ نتناً وذفراً‏.‏

وقد سمي الفعل به فبني‏.‏

وهذا في البناء على الفتح كقولهم‏:‏ سرعان ذا إهالة لما صار اسماً ل يسرع وكذلك أف لما كان اسماً لما يكره أو يضجر منه ونحو ذلك‏.‏

فمن نون نكرة ومن لم ينون كان عنده معرفة مثل‏:‏ صَهْ وصَهٍ ومَهْ ومَهٍ إلا أن أف في الخبر وصه في الأمر‏.‏

فإن قلت‏:‏ ما موضع أف في هذه الآى بعد القول هل يكون موضعه نصباً كما ينتصب المفرد بعده أو كما تكون الجمل وكذلك لو قلت‏:‏ أف وإذا لم يكن مع أف لك كان ضعيفاً ألا ترى أنك لو قلت‏:‏ ويل لم يستقم حتى توصل به لك فيكون في موضع الجر‏.‏

إحداها‏:‏ هاك للرجل وهاك للمرأة‏.‏

والكاف للخطاب‏.‏

يدل على ذلك أن معنى‏:‏ هاك زيدا أي‏:‏ خذ زيداً فزيداً هو منصوب بهذا الفعل ولا يتعدى إلى مفعولين‏.‏

ويدلك على أن الكاف في هاكَ وهاكِ حرف لا اسم إيقاعهمم موقعها ما لا يكون اسما على وجه وذلك قولك‏:‏ هاؤم‏.‏

وعلى هذا قوله تعالى‏:‏ ‏"‏ هاؤم اقرءوا كتابيه ‏"‏‏.‏

وعلى هذا قالوا للاثنين‏:‏ هاؤما وللنساء‏.‏

هاؤن كما يقال‏:‏ هاك وهاكما وهاكم وهاكن‏.‏

وفيها لغة ثالثة وهي أن تترك الهمزة مفتوحة على كل حال وتلحقها كافاً مفتوحة للمذكر ومكسورة للمؤنث فتقول‏:‏ هاءك وهاءكما وهاءكم وهاءك وهاءكما وهاءكن‏.‏

وفيها لغة رابعة‏:‏ وهي قولك للرجل‏:‏ هأ بوزن‏:‏ هع‏.‏

وللمرأة‏:‏ هانى بوزن‏:‏ هاعى وللاثنين‏:‏ هاءا بوزن‏:‏ هاعا وللمذكرين‏:‏ هاءوا بوزن‏:‏ هاعوا‏.‏

وللنساء‏:‏ هأن بوزن‏:‏ هعن‏.‏

فهذه اللغة تتصرف تصرف خف وخافي وخافا وخافوا وخفن وهي لغة مع ما ذكرناه قليلة‏.‏

فأما قول علي بن أبي طالب صلوات الله وسلامه عليه‏:‏ أفاطم هانى السيف غير ذميم فلست برعديد ولا بلئيم وسيفي بكفي كالشهاب أهزه أجذ به من حالق وصميم وما زلت حتى فض ربي جموعهم وأشفيت منهم صدر كل حطيم والوجه أن يكون على قول من كسر الهمزة للمؤنث لأن القرآن بهذه اللغة نزل وهو أفصح اللغات‏.‏

ويجوز أن يكون على قول من قال‏:‏ هائى بوزن خافى‏.‏

فحذف الياء لالتقاء الساكنين‏.‏

وفيه لغة خامسة وهو أن يقال للواحد والواحدة والتثنية والجمع على صورة واحدة‏.‏

والذي ينبغي أن يحمل هذا عليه أن يجعل بمنزلة صه و مه ورويد و إيه‏.‏

وأما رويداً من قوله عز وجل‏:‏ ‏"‏ فمهل الكافرين أمهلهم رويداً ‏"‏ فإن رويداً في الآية ليست بمبنية‏.‏

اسما ل ارفق نحو رويد علياً ولكنه صفة مصدر مضمر أي‏:‏ أمهلهم إمهالاً رويدا ويجوز أن يكون حالاً‏.‏

وفي كلا الوجهين تصغير إرواد تصغير الترخيم أو تصغير رود‏.‏

فأما قوله تعالى‏:‏ ‏"‏ قيل ارجعوا وراءكم ‏"‏ فالتقدير‏:‏ ارجعوا ارجعوا و وراءكم لا موضع له لأنه تكرير‏.‏

ألا ترى قولهم‏:‏ وراءك أوسع لك‏.‏

وأما قوله تعالى‏:‏ ‏"‏ هيهات هيهات لما توعدون ‏"‏ فهيهات مبنية على الفتح‏.‏

وهو اسم ل بعد‏.‏

والفاعل مضمر فيه‏.‏

والتقدير‏:‏ هيهات إخراجكم لأنه تقدم أنكم تخرجون‏.‏

ولا يصح قول من قال‏:‏ إن التقدير‏:‏ البعد لما توعدون أو البعيد لما توعدون لأن هذا التقدير لا يوجب لها البناء على الفتح وإنما يوجب بناءه كونه في موضع بعد كسرعان في موضع سرع وقد ذكرته في المختلف‏.‏

وأما قولهم إيها وقوله عليه السلام‏:‏ إيها أصيل دع القلوب تقر‏.‏

فإيها مبني على الفتح وهو بالتنوين اسم لكف وهو نكرة‏.‏

 السابع ما جاء في التنزيل من أسماء الفاعلين مضافة

إلى ما بعدها بمعنى الحال أو الاستقبال فمن ذلك قوله تعالى‏:‏ ‏"‏ مالك يوم الدين ‏"‏‏.‏

الإضافة فيه إضافة غير تحقيقيه وهو في تقدير الانفصال والتقدير‏:‏ مالك أحكام يوم الدين وإذا كان كذلك لم يكن صفة لما قبله ولكن يكون بدلا‏.‏

فإن قلت‏:‏ إنه أريد به الماضي فأضيف فجاز أن يكون وصفاً لما قبله والمعنى معنى فالوجه الأول أحسن لأنه ليس في لفظه ما يدل على الماضي والشئ إنما يحمل في المعنى على ما يخالف في اللفظ نحو نادى يقال لفظه لفظ الماضي والمعنى معنى المستقبل وهذا التقدير لا يصح في ‏"‏ مالك يوم الدين ‏"‏ إذ لا يقال‏:‏ لفظه لفظ الماضي ومعناه المستقبل‏.‏

ومن ذلك قوله تعالى‏:‏ ‏"‏ كل نفس ذائقة الموت ‏"‏ لولا ذلك لم يجز خبراً على كل لأنه لا يكون المبتدأ نكرة والخبر معرفة‏.‏

نظيره في الأنبياء‏:‏ ‏"‏ كل نفس ذائقة الموت ونبلوكم بالشر والخير ‏"‏‏.‏

ومن ذلك قوله تعالى‏:‏ ‏"‏ هدياً بالغ الكعبة ‏"‏ أي‏:‏ بالغاً الكعبة إضافة في تقدير الانفصال أي هديا مقدار به بلوغ الكعبة ليس أن البلوغ ثابت في وقت كونه هديا فإنما الحال هنا كالحال في قوله تعالى‏:‏ ‏"‏ وأما الذين سعدوا ففي الجنة خالدين فيها ‏"‏ أي‏:‏ مقدرين الخلود فيها‏.‏

ومثله‏:‏ ‏"‏ ومن الناس من يجادل في الله بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير ثانى عطفه ‏"‏ أي‏:‏ ثانياً عطفه والإضافة في تقدير الانفصال لولا ذلك لم ينتصب على الحال‏.‏

ومن ذلك قوله تعالى‏:‏ ‏"‏ ولا الليل سابق النهار ‏"‏ أي سابق النهار‏.‏

والتقدير به التنوين‏.‏

ومن ذلك قوله تعالى‏:‏ ‏"‏ إنكم لذائقوا العذاب الأليم‏:‏ أي‏:‏ لذائقون العذاب الأليم فالنية به ثبات ومن ذلك قوله تعالى‏:‏ ‏"‏ هل هن كاشفات ضره أو أرادني برحمة هل هن ممسكات رحمته ‏"‏ هو في تقدير التنوين دليلة قراءة من نون ونصب ضره ورحمته‏.‏

ومن ذلك قوله تعالى‏:‏ ‏"‏ فلما رأوه عارضاً مستقبل أوديتهم ‏"‏ أي‏:‏ مستقبلاً أوديتهم‏.‏

ومثله ما بعده‏:‏ ‏"‏ عارض ممطرنا ‏"‏ أي‏:‏ عارض ممطر إيانا ولولا ذلك لم يجز وصفاً على النكرة‏.‏

ومن ذلك قوله‏:‏ ‏"‏ إنما أنت منذر من يخشاها ‏"‏ دليله قراءة يزيد منذر من يخشاها بالتنوين‏.‏

فهذه الأسماء كلها إذا أضيفت خالفت إضافتها إضافة الماضي نحو قوله تعالى‏:‏ ‏"‏ فالق الإصباح وجعل الليل سكنا ‏"‏ لأن الإضافة في نحو ذلك صحيحة وتوصف به المعرفة ألا ترى أن فالق صفة لقوله ‏"‏ ذلكم الله ‏"‏ وإنما صحت إضافة لأنه لا يعمل فيما بعده فلا يشبه الفعل وإذا كان بمعنى الحال أو الاستقبال عمل فيما بعده لأنه يشبه يفعل بدليل أن يفعل أعرب‏.‏

فأما قوله تعالى‏:‏ ‏"‏ واتقوا الله واعلموا أنكم ملاقوه ‏"‏‏.‏

وقوله تعالى‏:‏ ‏"‏ فلما كشفنا عنهم الرجز إلى أجل هم بالغوه ‏"‏‏.‏

وقوله تعالى‏:‏ ‏"‏ تحمل أثقالكم إلى بلد لم تكونوا بالغيه ‏"‏‏.‏

وقوله تعالى‏:‏ ‏"‏ إنا منجوك وأهلك ‏"‏‏.‏

وقوله تعالى‏:‏ ‏"‏ إن في صدورهم إلا كبر ما هم ببالغيه ‏"‏‏.‏

فالهاء والكاف عند سيبويه في موضع الجر بالإضافة لكف النون كما أن الظاهر في قوله‏:‏ ‏"‏ سابق النهار ‏"‏ وقوله‏:‏ ‏"‏ لذائقوا العذاب ‏"‏ جر وإن كانت الإضافة في تقدير الانفصال‏.‏

وعند الأخفش‏:‏ الكاف والهاء في موضع النصب بدليل قوله‏:‏ ‏"‏ وأهلك ‏"‏ فنصب المعطوف فدل على نصب المعطوف عليه‏.‏

وسيبويه يحمل قوله‏:‏ ‏"‏ وأهلك ‏"‏ على إضمار فعل كما يحمل‏:‏ ‏"‏ والشمس والقمر حسبانا ‏"‏ على إضمار فعل‏.‏

وكذلك‏:‏ ‏"‏ وما كنت متخذ المضلين عضداً ‏"‏‏.‏

فسيبويه يعتبر المضمر بالظاهر‏.‏

وكما جاز‏:‏ ‏"‏ ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام ‏"‏ بجر المسجد وإضافة حاضري إليه فكذا هذا‏.‏

والأخفش يدعى أن النون لا يمكن إظهارها هنا لا يجوز‏:‏ منجونك ولا‏:‏ بالغينه ولا‏:‏ بالغونه‏.‏

فافترق الحال بين الظاهر والمضمر‏.‏

وأما قوله ‏"‏ فتبارك الله أحسن الخالقين ‏"‏ ليس بوصف لله لأنه نكرة والإضافة في تقدير الانفصال‏.‏

بدليل تعلق الظرف به في أحوج ساعة‏.‏

ملك أضلع البرية مايو - - جد فيها لما لديه كفاء فإن أحسن مرتفع ب هو لأنه موضع بناء‏.‏

وإن شئت كان بدلاً لأن إضافة أفعل في تقدير من‏.‏

فإذا ثبت‏:‏ زيد أفضل القوم والتقدير‏:‏ أفضل من القوم فإضافته غير محضة لا يتعرف بها فوجب أن يكون أحسن بدلاً لا وصفاً‏.‏

ومن ذلك قوله‏:‏ ‏"‏ وخاتم النبيين ‏"‏ بالكسر اسم الفاعل ليكون معرفة فيشاكل المعطوف عليه ومن فتح فهو مصدر أي ذا ختم‏.‏